«فوبيا» الماء .. الداء والدواء
مركز أسنان الدولي
https://www.assnan.com
الخوف كلمة تتردد على ألسنة الجميع عند رؤية مشهد غريب غير مألوف أو سماع خبر مفزع غير سار أو التعرض لحادثة مؤلمة، وتطورت هذه الكلمة إلى مصطلح علمي أكثر دقة وهو فوبيا (Phobia).
كلمة فوبيا، لغوياً، تعني «الخوف من..» وهي كلمة يونانية الأصل، ويمكن تعريف الفوبيا أو الخوف بأنه نوبات من الفزع والهلع غير المبرر، أو أنه صادر عن أشياء في أصلها ليست مسببة للخوف، مما يؤدي إلى محاولات واضحة للهرب من الموقف. وقد يتسبب هذا الخوف في حدوث درجة من العجز.
ومن الأمثلة الواقعية للفوبيا ما حدث مؤخرا لسكان المناطق المتضررة من هطول الأمطار والسيول بمدينة جدة.
وللفوبيا فرضيات، منها فرضية الصدمة والأذى، وحسب هذه الفرضية فإن تعرض المريض لخبرة أو حادثة مؤلمة وقاسية مع مصدر الهلع والخوف، يؤدي إلى مشاعر خوف دفينة يتم خزنها في ذاكرة الفرد مع مشاعر الخوف.
ومن ثم تُثير رؤية الأشياء أو الأماكن التي كانت سببا لتلك الخبرات الأليمة والقاسية مشاعر الخوف الدفينة هذه. وبشكل عام، غالباً ما ينشأ هذا الخوف من مواقف تربوية خاطئة أو صدمات نفسية مخيفة مرتبطة مع هذه المواقف.
أنواع الفوبيا
وهناك أنواعا كثيرة من المخاوف تزيد على 30 نوعا، سوف نتطرق هنا لثلاثة أنواع منها حيث لها ارتباط مشترك في المنشأ مع بعضها البعض. وهي:
- الخوف من الماء Aquaphobia
- الخوف من الرعد Bronophobia
- الخوف من البرق Astraphobia وهذه الأنواع الثلاثة من المخاوف، وإن اشتركت في المنشأ فإنها مختلفة فيما بينها ولكل واحد منها أعراضه ومسبباته وإن كانت متزامنة الحدوث وقد يعاني منها الشخص مجتمعة بمعنى أن تكون جميعها لدى شخص واحد وقد يكون لديه نوع واحد فقط..
ومن المألوف أن الماء والرعد والبرق لا تسبب الخوف أو الهلع بشكل مرضي بل إنها مصدر من مصادر المتعة. قد يكون الرعد أو البرق من الأشياء التي لها مدلولاتها التي تثير الحذر وتدعو إلى وضع الاحتياطات، ولكنها في ذاتها ليست مسببا للخوف.
فوبيا الماء
يختلف الماء عن العناصر الأخرى المذكورة فهو مصدر الحياة ومن ضرورياتها بل هو مطلب الجميع، وفوبيا الماء مرتبطة غالباً بصدمة يتعرض لها الشخص أو موقف عصيب كما هو الحال لمتضرري سيول جدة.
ويستعرض الزايدي الخوف من الماء Aquaphobia بشكل تفصيلي ويعزي أسبابه إلى:
- الماء مصدر محبب من مصادر الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه من جميع المخلوقات وليس الإنسان فقط، وبالتالي فهو ليس مصدرا للخوف.
ولا ينشأ الخوف من الماء إلا عند ارتباطه بموقف يثير الهلع والخوف فيصبح الماء مصدرا للخوف والهلع. وهذا يختلف إلى حد ما عن باقي أنواع المخاوف التي قد لا ترتبط بموقف بعينه ولا يجد الشخص سببا لهذا الخوف.
- في بيئة صحراوية قليلة المطر، يظل الحلم بالغيوم والسحب هاجس الكبار والصغار معاً. ولكن بعد سيول جدة الأخيرة أصبح المطر مصدرا من مصادر الرعب بشكل عام وللمتضررين بشكل خاص.
وهذا يعني أن بهجة المطر لهذه البيئة بدأت تتحول إلى مخاوف جديدة لم نكن نلحظها في عياداتنا، حيث أن هذا النوع من المخاوف (الخوف من الماء) لم يسجل كحالات في العيادات النفسية بالمملكة، فكثير من المعالجين والأطباء النفسيين لا يعرف عن الخوف من الماء إلا في الكتب، ولكنها أصبحت الآن حالات تتكرر على العيادات النفسية.
ومن واقع العمل في المجال النفسي وفي لجان الدعم النفسي لمتضرري سيول جدة، أشار الزايدي إلى زيادة أعداد الحالات التي تعاني من الخوف من الماء ويكون الأمر ناتجا بكل تأكيد عن موقف الرعب والصدمة المخيفة من هول تلك السيول فتولد عنها أفكار سلبية اختزنها الأشخاص حتى تبلورت في صورة واضحة للخوف المرضي كسلوك وكعرض يتطلب العلاج.
ومن أعراض هذه الحالة الخوف من صوت الماء أو منظره أو أماكن وجوده كالبحيرات والمستنقعات وخلافه، فيكون السلوك هو تجنب هذه الأماكن أو الحديث عنها والشعور بصراعات داخلية وتوترات مفزعة يتم إطفاؤها بالبعد عن هذه المثيرات.
والأكثر والأخطر من كل هذا، ظهور أعراض أخرى بدأت ملاحظتها في العيادات النفسية مثل الخوف من الوضوء أو الخوف من شرب الماء.
وقد سجلت إحدى عيادات الطب النفسي بجدة حالة مريضة لم تشرب ماء منذ سيول جدة أي منذ أسبوعين.
العلاج
إن فوبيا الماء حالة مرضية حادة تتطلب تدخلا علاجيا معتمدا على برامج علاجية خاصة، يمكن تلخيصها في محورين، هما:
- الأول: علاج ما بعد الصدمة ويشتمل على التهدئة والدعم، وعكس التجارب السالبة بشكل إيجابي جديد، ويستخدم فيه:
العلاج التفجيري: وهو يقوم على مبادئ العلاج التحصيني غير أنه يركز هنا على الحدث بشكل سريع في تدرجه ومؤثراته، مع استخدام التنويم الإيحائي (الاسترخاء) أثناء الجلسات.
العلاج المعرفي: وهو مبني على تنمية الإدراك الإيجابي للمواقف السلبية.
- ثانياً: علاج نفسي طويل الأمد، يقوم على دراسة الحالة، العلاج الإيحائي، العلاج التوكيدي المعرفي.
ومن المهم أن تعمل كل هذه الأساليب جنباً إلى جنب مع العلاج الدوائي الخافض للقلق الذي غالباً ما يكون عرضا مصاحبا للمخاوف، حتى نعيد للمريض شعوره بالحياة الآمنة المطمئنة ويتمتع بجودة الحياة.