اللوف .. نبتة برية تتحول من سم إلى طبق لذيذ يقي من السرطان
مركز أسنان الدولي
https://www.assnan.com
اللوف .. نبتة برية تتحول من سم إلى طبق لذيذ
اللوف قطفه صعب وتحضيره يستغرق 9 ساعاتمع أواخر فصل الشتاء واقتراب موعد فصل الربيع، بدأت تنتشر في الأراضي السورية الجبلية والسهلية والبادية عشرات الأنواع من النباتات التي تنمو بشكل طبيعي في هذه المناطق، حيث يقوم السوريون بقطافها وتناولها في السلطات أو تُطهى على الغداء أو كمقبّلات، مثل الخبيزة والدردار والقرص عنّه، وغيرها، وجميعها تؤكل بعد تنظيفها بالماء والصابون باستثناء عشبة شهيرة تنمو في الأرياف السورية وبخاصة في المناطق الداخلية ويطلقون عليها «اللوف».
كما تنمو في الجبال الساحلية، ولها هناك تسمية محلية خاصة يطلقون عليها اسم «سم الحية»، وهي بالفعل نباتات سامة وهي خضراء في الحقول والأراضي، وتؤدي إلى تسمم كل من يتناولها مباشرة من الحقل، ولكنها مفيدة كترياق الأفعى، ولذلك جاء الاسم المحلي لها مطابقا للواقع، كما أن الإنسان يتسمم منها في حال تناولها خضراء، وتؤدي أيضا إلى تحسس جلده في حال لمسها بشكلها البري.
ورغم تسمية اللوف فإن السوريين استطاعوا أن يحولوا نبات اللوف إلى طعام لذيذ المذاق بنكهة مميزة، وبالتالي استطاعوا الاستفادة من فوائد وخصائص هذه النبتة صحيا وغذائيا، ولكن حتى يصل اللوف إلى مرحلة الطهي الكامل والحصول على مذاقه اللذيذ وتناوله كطعام على الغداء أو كمقبلات مع وجبات الطعام، فإنه يحتاج إلى ساعات طويلة من الغلي على النار وإلى طريقة مميزة بالطبخ، مع إضافة زيت الزيتون بكثرة إليه وإضافة السمّاق كمنكّه حامض طبيعي.
ولذلك تعتبر أكلة اللوف من الأكلات السورية المكلفة بالوقت والجهد من قبل سيدة المنزل، وكذلك مكلفة ماليا بسبب استعمال الكثير من الزيت والطهي على الغاز وللمنكهات الغالية الثمن مع أن اللوف كنبات رخيص الثمن حيث يؤتى به من البراي من قِبل مزارعين وريفيين متخصصين بقطفه بشكل لا يؤذي أصابعهم وجلدهم، ومن ثم يبيعونه لتجار سوق الهال أو للبائعين الجوالين، ليصل بعد ذلك إلى سيدات المنازل اللواتي يتفرغن يوما كاملا لطهيه.
ولذلك غالبا ما تقوم بذلك المتفرغات في المنزل أو كبيرات السن، كما أن العديد من محلات الطهي (المطابخ الشرقية) في دمشق والمدن الأخرى بدأت منذ سنوات قليلة بإدخاله في وجبات الطعام التي تطبخها بشكل يومي.
ويعتبر طبخه وتناوله مرة في الموسم شيئا جيدا، فهو «شهوة» كما تقول سلمى المحمود، وهي سيدة منزل متفرغة للبيت والأسرة فقط حيث تعلق ضاحكة: «لاشيء يأتي بالسهل!»، فمن يُرِد تناول اللوف اللذيذ، عليه أن يتحمل تعب الطهي والوقت والجهد والمتابعة دقيقة بدقيقة لطهيه على النار ومعرفة المرحلة التي وصل إليها من انعدام سميته، وأن لا يقرص اللسان «يقلقز» الفم حيث لم يكن قد وصل إلى مرحلة الطهي النهائي.
«وتحتاج مراحل طهي اللوف إلى نحو 9 ساعات متواصلة» - تقول سلمى - «والمراحل التي يمر بها اللوف حتى يؤكل هي
على الشكل التالي: بعد شرائه من البائع نقوم بتنقيته من الأوساخ مع لبس القفازات الواقية حتى لا يتحسس الجلد، ومن ثم يُغسل بالماء الغزير وبعدها يصفى من الماء حتى ينشف تماما، بعد ذلك يقطع على شكل قطع ناعمة ونغلي الماء في وعاء كبير حيث توضع قطع اللوف في الماء المغلي ويوضع زيت الزيتون بمقادير دقيقة، حيث يحتاج كل 5 كليوغرامات من اللوف إلى لترين من زيت الزيتون، ويوضع معه أيضا حمص مسلوق حيث يطبخ مع اللوف، وهناك سيدات لا يفضلن إضافة الحمّص إليه رغم أنه يضيف طعما لذيذا إلى اللوف، ويبقى هنا الأمر اختياريا».
وتضيف سلمى: «ونستمر في طهيه على نار هادئة مع التحريك المستمر للخليط من اللوف والزيت والحمص، وبعد نحو سبع ساعات من بدء الطهي نقوم بوضع السمّاق (وهو مادة نباتية حمضية تعطيه مذاقا حامضا) لتعديل قلوية نبات اللوف الأخضر، وهناك من يضيف ملح الليمون، ولكن الأخير غير صحي كونه مستحضرا صناعيا بعكس السماق، ونراقب الطهي باستمرار حتى يظل الماء متوفرا بشكل جيد، ونضيف الماء في حال نقص في أثناء الغلي، لأن نقص الماء يؤدي إلى جفاف المزيج.
بعد ذلك تأتي مرحلة إضافة البرغل الخشن الذي يضيف نكهة إضافية إلى اللوف وطعما مميزا، ويضاف البرغل بمقادير دقيقة أيضا (200 غرام برغل لكل 5 كيلوغرامات لوف)، وبعد نحو الساعة أي بعد تسع ساعات من الطهي المتواصل، يكون اللوف قد أصبح جاهزا مطبوخا تماما، وهنا يُسكب في أوعية زجاجية، ولا يؤكل مباشرة وهو ساخن، حيث يسبب حموضة في المعدة، ويؤكل باردا بعد وضعه لساعات في الثلاجة، ليشكل طعاما لذيذا بلون أخضر غامق مع الحمص والسماق والبرغل.
ويمكن تناوله لوحده حيث يعتبر وجبة غذائية جيدة مع الخبز، أو يؤكل بالملعقة كمقبّل غذائي، كما أن الكثيرين يفضلون تناوله على العشاء حيث يشعر من يتناوله براحة في معدته وينام دون أن يشعر بأي تخمة بسبب فوائد اللوف الكثيرة لجهاز الهضم. وتحتفظ به العائلة عادة لعدة أيام حيث يتحمل حفظه في البراد لنحو الأسبوعين دون أن يتلف أو يتحول إلى طعم حامض غير مرغوب».
وفي بعض القرى السورية الساحلية تقوم النسوة بطبخ اللوف بطريقة تراثية فلكلورية من خلال وضعه في وعاء كبير من الفخار يسمى المقلي، ويطهى على نار الحطب المتوقد بهدوء، لا على موقد الغاز، حيث يؤكد من يتبع هذه الطريقة بالطهي أنه يمنح اللوف طعما ومذاقا أطيب وألذ من الطهي العادي على الغاز.
ويؤكد العديد من اختصاصيي التغذية أن للوف فوائد هامة وكثيرة لجسم الإنسان، فهو مع مذاقه اللذيذ يحتوي على الأملاح المعدنية وبخاصة اليود المفيد للغدة الدرقية، كما يضم الحديد بكثرة، لذلك فهو مفيد لمرضى فقر الدم، ويحتوي على الفيتامينات التي يحتاجها الجسم البشري، وهو - حسب الباحثين والأطباء - مفيد في الوقاية من أمراض جلدية مثل التحسس والثعلبة، ووقاية اللثة من الالتهابات، ويعتبر اللوف من أكثر الأعشاب والنباتات الطبيعية مقدرة على تنظيف الجهاز الهضمي والأمعاء، ويساعد كثيرا هؤلاء الذين يعانون من الإمساك.
وفي أحدث المعلومات الطبية عن اللوف هناك دراسات علمية تؤكد أهميته في الوقاية من السرطانات، وتجرى أبحاث عديدة على نبات اللوف وعلى جذوره وأوراقه لمعرفة المزيد من فوائده الطبية.
واللوف بشكله البري الطبيعي في البراري والجبال يظهر في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) وحتى منتصف شهر مارس (آذار) فقط من كل عام، وهو موسمه الأساسي، ويكون بلون أخضر غامق قليلا وساطع ويشبه ورق السلق، وتتميز أوراقه التي تُطهى وتؤكل فقط بأنها غنية بالماء وغضة وذات طراوة. وينتمي اللوف إلى فصيلة الزنبقيات. مرفقات: أربع صور لأوراق اللوف قبل طهيها وبعد الطهي حيث تؤكل بمذاقها اللذيذ.