مركز أسنان الدولي
https://www.assnan.com
يُصاب أحدهم بنزلة البرد، وينزعج من سيلان الأنف والعطس وجفاف الحلق وألمه، فيبدأ بتناول أحد أنواع المضادات الحيوية. ودونما سابق إنذار، يبدأ ذاك الشخص بالمعاناة من ألم في البطن وتكرار الإسهال.
الأمر ليس مُستغربا والمشكلة ليست نادرة، بل يُمكن أن يُصاب بالإسهال أي إنسان يتناول أحد أنواع المضادات الحيوية.
ومن المحتمل أن يتسبب أي نوع من المضادات الحيوية في هذه المشكلة. وقد لا تقتصر على الإسهال فقط، وقد لا تنتهي فور التوقف عن تناول المضاد الحيوي، وقد تظهر حتى بعد بضعة أسابيع من التوقف عن تناول المضاد الحيوي.
ولذا فإن أحدنا عليه ألا يتناول أي مضاد حيوي دونما نصح الطبيب المختص بذلك، وعليه أن يُدرك العلامات التحذيرية للإصابة بهذه المشكلة، وكيف عليه أن يتعامل معها.
والمضادات الحيوية دخلت في «الخدمة الطبية»، كما يُقال، وبشكل واسع خلال الحرب العالمية الثانية.
ومنذ ذلك الحين، أنقذت تلك الأدوية «العظيمة» أرواح الملايين من البشر.
إلا أنها، كأي نوع من الأدوية، لا تخلو من الآثار الجانبية الضارة أو المزعجة.
وتشير الإحصائيات الطبية الحديثة في الولايات المتحدة إلى أن واحدا من بين كل خمسة أشخاص يتناولون مضادا حيويا، يُصاب بالإسهال جراء ذلك.
إزعاج للبكتيريا الصديقة
ولكي نفهم المشكلة، علينا إدراك تأثيرات المضادات الحيوية على الأمعاء، وخاصة على مستعمرات البكتيريا الطبيعية فيها.
وبداية علينا معرفة أن في أمعائنا مستعمرات طبيعية وكبيرة العدد لأكثر من 500 فصيلة من البكتيريا، وتُسمى بالعموم «أحياء الأمعاء» intestinal flora.
وغالبية أنواع هذه البكتيريا تعيش بشكل طبيعي وتتفاعل بسلام مع أجسامنا.
ولذا تُسمى طبيا «البكتيريا الصديقة» good bacteria. وهي «صديقة» لأنها لا تتسبب في مشاكل لنا أثناء وجودها في أمعائنا، بل على العكس، تقوم بخدمتنا وتسهيل هضمنا للطعام الذي نتناوله.
وخاصة هضم تلك العناصر الغذائية التي لا تستطيع أنظمة الهضم البشري في الأمعاء هضمها، مثل أنواع كثيرة من السكريات ومن الأحماض الدهنية.
ولولا هضم البكتيريا الصديقة مثلا لمثل تلك السكريات، لأصابنا الإسهال وظهرت الغازات في بطوننا.
وإضافة لهذه الخدمة الهضمية، تقوم تلك المستعمرات الطبيعية من البكتيريا الصديقة بدور حماية لأمعائنا ضد وجود أو تكاثر أنواع شتى من البكتيريا والفطريات والفيروسات الضارة بأمعائنا وأجسادنا.
أي إنها تعمل على إخماد أي نمو وتكاثر لها.
كما أن لها دورا مهما في تنشيط جهاز مناعة الجسم وتقويته، عبر آليات معقدة لا يزال الباحثون يكشفون لنا من آن لآخر جوانب إيجابية فيها.
وإزاء هذه الغالبية المسالمة والصديقة، هناك قلة من البكتيريا الضارة bad bacteria، التي تكمن بهدوء كي تتحين أي فرصة للتكاثر والتسبب في الأذى والمرض في أمعائنا.
وعليه، لو تناولنا المضاد الحيوي، وقضى هذا المضاد الحيوي على كميات من تلك البكتيريا، بنوعيها الصديقة والضارة، فإن خللا يحصل في دور تلك البكتيريا الصديقة في إخماد نمو البكتيريا الضارة، خاصة لو أن ذاك المضاد الحيوي لا يقوى على قتل أنواع من البكتيريا الضارة.
وهنا تسنح الفرصة لتلك الأنواع الضارة، ذات القدرة أيضا على مقاومة مفعول المضاد الحيوي، بالنمو والتكاثر والتسبب في التهابات في القولون.
وبالتالي تزيد الاحتمالات لحصول اضطرابات الإسهال وغيرها من الأعراض المرضية.
أعراض متفاوتة
وتشير مصادر طب الأمراض المُعدية بالولايات المتحدة إلى أن الأشخاص الكبار في السن هم أكثر عُرضة للإصابة بدرجات متفاوتة الشدة من «الإسهال المُصاحب لتناول المضاد الحيوي» Antibiotic-associated diarrhea.
وكذلك عموما، الأشخاص الذين سبق أن أُجريت لهم عمليات جراحية في الأمعاء، والذين كانوا منذ فترة وجيزة منومين بأحد المستشفيات لتلقي معالجة لأحد أنواع الأمراض، وأيضا الذين لديهم أحد أنواع الأمراض المزمنة التي تُضعف جهاز مناعة الجسم، كمرض السكري وفشل الكلى وفشل الكبد وضعف القلب والسرطان.
وعند الإصابة بهذه الحالة، قد تتفاوت الأعراض ما بين إسهال خفيف قصير الأمد، وبين إسهال شديد ذي تداعيات عميقة.
وغالبية الناس تحصل لديهم، نتيجة لتناول المضاد الحيوي، اضطرابات بسيطة في أنظمة مستعمرات البكتيريا الصديقة داخل الأمعاء، وبالتالي تظهر أعراض الإسهال.
وعادة ما يحصل الإسهال، وغيره من الأعراض المُصاحبة، بعد 5 إلى 10 أيام من بدء تناول المضاد الحيوي.
وقد يستمر الإسهال حتى نحو أسبوعين من بعد التوقف عن تناول ذاك النوع من المضادات الحيوية.
ولكن في بعض الأحيان، قد لا تظهر الأعراض إلا بعد عدة أسابيع من انتهاء الفترة التي حددها الطبيب لتناول المضاد الحيوي.
وحينما يحصل ضعف للبكتيريا الصديقة، تسنح الفرصة للبكتيريا الضارة أن تنمو وتتكاثر.
وهو ما قد يُؤدي إلى التهابات في القولون أو التهابات في القولون من النوع الذي يُبطّن القولون من الداخل بطبقة من الأنسجة.
وهنا لا تكتفي تلك البكتيريا الضارة بنهش أنسجة القولون من الداخل، بل تعمد إلى إفراز أنواع من المواد الكيميائية تعمل كالسموم في إيذاء أنسجة بطانة الأمعاء الغليظة.
وقد تشمل أعراض تلك الحالة تكرار حصول إسهال لبراز مائي سائل، والشكوى من ألم بالبطن مع تقلصات مزعجة فيه، وارتفاع درجة حرارة الجسم إلى ما فوق 38 درجة مئوية، وإخراج سائل من الصديد مع البراز حال الإسهال، وظهور إسهال ممزوج بالدم.
إضافة إلى الغثيان والجفاف وربما القيء.
وظهور هذه الأعراض، أو حتى بعضها، داع كاف للتوقف عن تناول المضاد الحيوي ومراجعة الطبيب مباشرة.
وصحيح أن التعامل الطبي الجيد مع هذه الحالة يُؤدي إلى زوال هذه النوعية المتقدمة من التهابات القولون، إلاّ أن بعض المُصابين قد يتكرر لديهم الأمر، ما يتطلب برنامجا علاجيا آخر، وربما ثالث.
معالجة طبية ووقاية
ويُصنف الإسهال الناجم عن تناول المضادات الحيوية، بأنه «خفيف» أو «متوسط» إذا لم يكن مصحوبا بارتفاع درجة حرارة الجسم، أو بدوار الدوخة، والجفاف، أو لا يوجد دم أو صديد مع البراز، أو أقل من ست مرات خلال 24 ساعة.
وفي هذه الحالات الخفيفة أو المتوسطة، تزول الأعراض غالبا خلال بضعة أيام من بعد التوقف عن تناول المضاد الحيوي.
وفي هذه الأثناء ينصح الطبيب بالإكثار من تناول الماء، لتعويض الجسم عن السوائل التي فقدها. كما ينصح بتجنب تناول الأطعمة التي قد تُهيج مزيدا من الإسهال.
أما الحالات الشديدة، التي سبق ذكرها فهي من دواعي مراجعة الطبيب بشكل مستعجل آنفا، فإن الطبيب يصف تناول أحد أنواع المضادات الحيوية الخاصة بالقضاء على نوع البكتيريا المتسبب بتهتك والتهاب أنسجة بطانة القولون. وغالبا ما يُجري فحوصات خاصة للبراز وللدم للتأكد من هذا الأمر.
وللوقاية من إسهال المضادات الحيوية، هناك عدة عناصر يذكرها الباحثون في تخصص الأمراض المُعدية وأمراض الجهاز الهضمي بمايو كلينك في الولايات المتحدة.
ومن أهمها: الحرص على عدم تناول أي مضاد حيوي إلاّ بعد نصيحة الطبيب وتحت الإشراف الطبي.
والحرص أيضا على تناول المضاد الحيوي وفق إرشادات الطبيب، من نواحي كمية الجرعة، وعدد مرات التناول خلال اليوم، وعدد أيام الاستمرار في تناوله، وكيفية التصرف عند نسيان تناول إحدى الجرعات، وما الآثار الجانبية المحتملة، وغير ذلك.
ما ينصح أطباء مايو كلينك بالحرص على تناول «لبن الزبادي» قبل وأثناء وبعد تناول «كورس» برنامج المضاد الحيوي الذي يصفه الطبيب.
وهناك عدة دراسات تدل على فائدة هذا السلوك الغذائي في حماية مستعمرات البكتيريا الصديقة وإعطائها قوة ونشاطا ليستفيد الجسم منها.
وخاصة في حالات تناول المضادات الحيوية واحتمالات تأثيرها على البكتيريا الصديقة في الأمعاء.